التناص القرآني
|
تقي الحسني
بسم الله الرحمن
الرحيم
مقدمة
اعتاد
الباحثون في القرآن وعلومه الكشف عن معنى
فواتح السور القرآنية أو الحروف المقطعة([1]) التي
جاءت في سور متعددة وعلى أشكال مختلفة, فمنها ما هو ذو حرف واحد: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ}
و {ق
وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} و {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ},
ومنها ما هو ذو حرفين: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ},
ومنها ما هو ذو ثلاثة أحرف أو أكثر: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ}, {المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ},
{كهيعص},
{حم (1) عسق}..الخ
لم
يعرف العرب مثل هذه الطريقة من الكلام, وما نجده عن النبي الخاتم (صلى الله عليه
واله) واهل بيته(عليهم السلام) في بيان وتفسير هذه الحروف إلا نزر قليل, الأمر
الذي زاد من ضبابية هذه الظاهرة, مما حدا بالمسلمين
أن يتجهوا إتجاهين رئيسين في محاولة الكشف
عن هذه الحروف المباركة:
ذهب
الاتجاه الأول إلى أن هذه الحروف من الأمور التي أستأثر الباري تعالى بعلمها, ولا
يمكن لأحد أن يصل إلى معرفتها, إلا من أرتضى الرحمن, وأنها سر الله فلا تطلبوه كما
جاء في بعض الروايات عن أئمة الهدى (صلوات الله عليهم)([2]).
في
حين ينطلق الاتجاه الثاني من آية {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا},
{وَهَذَا
لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}, { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ},
وعليه فلا يوجد شيء في القرآن الكريم غير مفهوم لنا نحن العرب, أو قل للعلماء
والمحققين, فما دامت صفة القرآن الكريم الهداية والتبيان, فلا يمكن أن يكون فيه
غموض وإبهام. فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك([3]).
يهمنا أن نتوقف عند الاتجاه الثاني, إذ نحاول أن
نعرض في هذه المقدمة صورة تتضح معالمها في مطاوي البحث.
لمَّا
عزم أنصار هذا الاتجاه تفسير الحروف المقطعة تفرقوا وتعددت مذاهبهم إلى عشرين مذهباً
كما يذكر الشيخ الطوسي, أما الفخر الرازي فقد عدّ واحداً وعشرين تفسيراً, ونحن
سنقتصر على أهم ثلاث تفسيرات, ثالثها هو الذي سنقدمه بثوب جديد.([4])
التفسير الأول: إنها أسماء للسور التي
جاءت فيها, فـ (الم) أسم لسورة البقرة, و (كهيعص) أسم لسورة مريم, و (ن) أسم لسورة
القلم. وأختار هذا الرأي أكثر المتكلمين, واستحسنه الشيخ الطوسي, ورجحه الشيخ
الطبرسي, وأختاره الشيخ محمد عبده.
التفسير الثاني: يرى هذا الاتجاه أن ما
ينبغي لنا ملاحظته هو الآيات الواردة بعد هذه الاحرف المقطعة من ذكر الكتاب
العزيز, ونبأ تنزيله, أما السور الاربعة وهي سورة مريم, العنكبوت, الروم, القلم
فقد جاءت الآيات بعدها مختلفة ليس فيها ذكر للكتاب, أنما الذي نجده في سورة مريم
ولادة يحيى من امرأة عاقر كبيرة ومن شيخ عجوز, ثم ولادة عيسى من غير أب, وهذا يخالف القوانين
التجريبية السائدة. وأما فاتحة العنكبوت والروم فأمران مهمان يرتبطان بالدعوة
ومصيرها, ففي فاتحة العنكبوت قانون اجتماعي وضعه الله تعالى لاختبار الناس وتميز
الصالح عن غيره, {أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (6) } ولهذا القانون
تأثير كبير على سير الدعوة, فالفتنة والعذاب ليسا دليلاً على خذلان الله لأحبائه إنما
هو أختبار لصدق إيمانهم ورسوخه.
ونجد
في فاتحة الروم الوعد الإلهي بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين{ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)}
أما
فاتحة القلم الرائعة فهي إيذانٌ بعصر العلم, والتدوين, عصر السلطة العلمية, التي
لا يحتاج الناس بعدها إلى معلم ينفض غبار الجهل عن أمته, أو رسالة جديدة تكشف
مضامين علم مخفية, فالناس في هذا العصر – عصر الرسالة النبوية إلى يوم القيامة
– لما زودهم الله تعالى بقوة عقلية تفوق الأمم
السابقة, أنزل لهم القرآن الخالد لينتهل كل على قدره ,كما أشار إلى ذلك سيد
الساجدين علي بن الحسين (عليهما السلام) لما سُئل عن التوحيد: إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام
متعمقون فأنزل الله عز وجل {قل هو الله أحد (1) الله الصمد} والآيات من
سورة الحديد إلى قوله: {وهو عليم بذات الصدور} فمن رام ما وراء ذلك هلك([5]).
التفسير الثالث: ذهب اليه بعض المفسرين
المعاصرين كالعلامة الطباطائي(قده) والذي ستتضح
آثاره بثوب جديد إن شاء الله في هذا البحث
الفصل
الأول
النص
و التناص
النص لغة واصطلاحا
النص
اقصى الشيء وغايته([6]),
وكذلك يفيد النص الرفع, نص الحديث أي رفعه([7]),
وفي القاموس المحيط "النص" المنتهى والكمال([8])
.
وبناءً على ذلك فإن النص هو المنتهى, الاكتمال,
والقدرة والنضج([9])
أما في الاصطلاح فإن
كلمة "النص" وافدة علينا كغيرها من المفاهيم الجديدة, فعند البحث في
معاجم اللغة لا نعثر على رابط بين اللغة والاصطلاح. فالنص "وضع المتلقي
العربي اليوم في حالة إضطراب يعيشها جراء قراءاته أو سماعه لهذا المصطلح, وهو
يتردد في جميع الدراسات النقدية الحديثة, وذلك لعدم مقدرته على الربط بين المفهوم (المعجمي
العربي) الذي يعرفه وبين ماتبثه الحقول المعرفية في المصطلح من مفاهيم جديدة"([10]).
غير أن بعض الدارسين يرى أن سبب هذا العجز في الكشف عن ملامح هذا المفهوم في التراث
اللغوي والنقدي العربيين, لا يعود الى كون هذا المفهوم لا يوجد اصلا, وإنما مرد
ذلك إلى أن هؤلاء الباحثين غالباً ما ينظرون إلى التراث من خلال المقولات الغربية,
وهو ما يشوه قراءتهم لهذا التراث ويطمس الكثير من الحقائق([11]).
لكننا نعترف بالفراغ ازاء تصور عربي عن
مفهوم النص بصورة متكاملة, مما حدا بالباحثين إلى اعتماد المفاهيم الغربية
المستدمة في هذه الظاهرة, ولا يعني هذا اجترارا أو استيلابا, بل غاية هذا الاتكال
هو أن النص في نهايته مفهوم لغوي إنساني, وهو واحد في كل اللغات.
النص في الغرب:
النص
مأخوذ من اللاتينية (نصَّ) ومعناه بالعربية (نسج). فالنص: " نسيج من الكلمات
يترابط بعضها ببعض, هذه الخيوط تجمع عناصره المختلفة والمتباعدة في كل واحد هو ما
نطلق عليه مصطلح(نصّ)"([12])
. وفي معجم لاروس العالمي: إن كلمة
(نص) اتت من فعل (نصَّ) ومعناه نسج, وهذا ما يعني أن النص هو النسيج لما فيه من
تسلسل الأفكار وتوال للكلمات([13]).
أما
في اللسانيات الحديثة, فالنص مجموع الملفوظات اللغوية التي يمكن إخضاعها
للتحليل, فهو عينة من السلوك اللغوي الذي يمكن أن يكون مكتوبا أو منطوقاً, ويمكن
أن يكون النص من كلمة واحدة مثل (قف) (stop) أو عدة كلمات مثل رواية الوردة(Le
Roman de la rose), فأهم مقومات النص ليست الطول والقصر وإنما
الاكتمال بحيث تكون للنص وحدة معنوية مكتملة.
والنص على المستوى الادبي هو " السطح
الظاهري للنتاج الأدبي, ونسيج الكلمات المنظومة في التأليف, والمنسقة بحيث تفرض
شكلاً ثابتاً ووحيداً ما استطاعت إلى ذلك سبيلا"([14])
, فليس وراء خشبة النص – كما يرى رولان بارت- مخبأً, وليس وراءه فاعلاً أو كاتباً,
وليس أمامه منفعلاً أو قارئاً, ليعلن بارت
عن موت المؤلف([15]),
ليحيا النص حراً طليقاً يمتعنا بلذته. فالنص يمتلك شكلاً إنسانياً جميلاً , أو هو
كجزيرة منعزلة تقتات من ذاتها, ومن فكرها ولغتها شكلاً ومضموناً, وبهذا تنفصل
جسدية النص عن جسد كاتبه.
على
ضفاف هذه الجزيرة ولدت فكرة موت المؤلف, ومرجع ذلك انتماء بارت إلى الاتجاه النقدي
الشكلي, الذي لايولي أي اهتمام إلى سياق النص وكاتبه معتبراً الصياغة الادبية
صياغة لذاتها, وأن النص الادبي يخلق بنفسه قوانينه الداخلية, وبهذا يمكن دراسته
بوصفه كياناً مستقلاً دون الحاجة للرجوع إلى أي اعتبارات أخرى يمكن أن تكون سبباً
في تمييع دراسته وإخراجها عن طابعها الادبي المحض.
موت
المؤلف! لا يعني موته لذاته, ولكن هذا الموت أمر ضروري ليحيا النص بعيداً عن قيود
صاحبه وشدة سطوته, وكأن رولان بارت ينعى بذلك على الخطاب الرومانسي الذي ألّه
المؤلف وجعل النص صورة من فكره وعاطفته وتاريخه. فإن موت المؤلف الذي يدعيه بارت
مرهون بمدى تسلطه على سياق النص, بما يُفرض عليه من سياقات لا تحفظ له ذاتيته
فيموت النص. وبهذه الفكرة مهدّ بارت للتناص, شريطة أن يحقق النص نصيته قبل
الدخول في علاقات جديدة مع نصوص أخرى, إذ يقول: " إن النص يتكون ويصنع
نفسه من خلال تشابك مستمر, وتنحل الذات في هذا النسيج مثل عنكبوت يذوب من تلقاء
نفسه في الإفرازات البنائية لشباكه"([16]).
فالتشابك المستمر بين النصوص وتداخلها مع بعضها حد الذوبان هو الذي يصنع النصوص.
كريستيفا لم تفترق عن
بارت كثيراً فكلاهما يفسح للمؤلف والقارئ مجالاً كي يلتقيا على أرض إنتاجية النص
أكثر, حين يراهما شريكين يكمل أحدهما عمل الآخر, سعياً لإنتاجيته, بأن يبصر القارئ
المؤلف بتأويله, فتكون دوال النص ملكاً لكل الناس مستعصية على التاريخية , لكن
كريستيفا اخرجت النص الى فسحة وفضاء يُكون من خلاله علاقاته بالنصوص الاخرى وهو ما
اسمته (بالتناص) كما سيأتي.
إذا
وقفنا مع بارت على إنتاج النص نراه يبزغ عندما تتم مداعبة الدال من قبل المدون أو القارئ
أو كليهما, بحيث تبدو الكلمة داخل النص وكأنها تعبر عن أصوات متعددة, أو على الأقل
تسعى لأن تكون موقع لقاء ثقافات ومواقف متعددة([17]),
فالنص يعمل بلا كلل ولا ملل([18]),
اذ يتوجس بارت خيفة من فكرة النص المستهلك من قبل القارئ صوناً للذته, -كالقراءة
ما قبل النوم للنوم- فهو قد جعله مادة لممارسة إبداعية تثمر عن إنتاج النص,
فالقراءة المستهلكة ليست لعباً مثمراً مع النص وإنما وإنما تعني صورة لعقمه بسبب
قصور القارئ على الإنتاج.
أما إذا وجد بارت
القارئ المنتج للنص والمؤلف الذائب في صياغته, وجد سبيلاً لهذا النص ليدخل في
علاقة مع نصوص أخرى, تثمر في إنتاج دلالته, وهذا ما استقر على تسميته بـ
((التناص)), لانه يرى أن النص يعيد توزيع اللغة, فإن
تبادل أشلاء تدور في فلك نصٍ يعتبر مركزاً لتتحد معه في النهاية, يكون حينها كل نص
هو تناص! أي أن التناص من السمات البارزة للنصوص بمختلف أنواعها.
يزيد
بارت مفهوم التناص وضوحاً كما فهمه عن كريستيفا, حين يربط ربطاً واعياً بين نظرية
النص بوصفه سيداً يستدعي – دون مؤلفه- إلى فضاءه صيغاً مجهولة(وقد تكون غير
مجهولة) من نصوص أخرى, أي قد تكون سرقة ادبية أو اقتباسا منسوب إلى اهله, وبين
التناص بوصفه متصوّراً يمنح نظرية النص جانبها الاجتماعي, بما يجعل النص نفسه
متداخلاً مع نصوص أخرى ببركة التناص. يقول بارت: " التناصية قدر كل نص
مهما كان جنسه, غير مقتصرة على المنبع أو التأثير, فالتناص مجال عام للصيغ
المجهولة التي يندر معرفة أصلها...ومتصور التناص هو الذي يعطي نظرية النص جانبها الاجتماعي,
فالكلام سالفه وحاضره يصب في النص, لكن ليس وفق طريق دارجة ومعلومة, ولا بمحاكاة
إرادية, وإنما وفق طرق متشعبة تمنح النص وضع الإنتاجية, لا إعادة الإنتاج"([19]),
فتداخل النصوص قد لا يكون بطريقة دارجة كالقص والاقتباس والسرقة, خصوصاً عند ربط
القديم بالجديد منها, وهذا ما يضفي للنص خصوبة ارضه للإنتاج.
تساؤلات:
لطيف هو ذلك السؤال
الذي طرحه عبد الملك مرتاض عن الكتابة: هل هي انبثاق من صميم الذات؟ أم هي إبداع
متولد من أشتات الغير؟ أم هي مزيج من هذا وذاك؟([20]).
بالتأكيد إن ثقافات
الكاتب وقراءاته تنعكس على كتاباته, فالكاتب المولع بالفلسفة ودراستها لاشك تكون
كتاباته غير كتابات المولع بالأدب, وكذا كتابات المولع بالفقه واصوله, فالكتابة
تمثل إنعكاساً لماورائيات الكاتب بقصد أو من دون قصد.
الكاتب البارع ينمو من كلمات الآخرين, ويتطور من
حبس الكلمة في فكره ليعيد توظيفها, وخير مثال هو التطور اللغوي عند الاطفال, فاللغة
التي يكتسبها الطفل من خلال سماعه يقوم بتأليفها وإعادة إنتاجها على شكل جمل مفيدة,
لذا تسعى بعض مدارس علم النفس إلى تعليم الاطفال نصوصاً كاملةً بدل الكلمات, لقدرة
الطفل على إعادة انتاج النصوص.
-
ما
الذي يربط القارئ بنص ما؟
هناك نوعان من النصوص
التي أقرأها أو تقرأها, نص تقرأه فتقلده, ونص يتحرر بين يديك ويكون عارياً تستطيع
أن تضع عليه أسلوبك الخاص, فالأول لا سبيل إلا لتقليده لشدة سطوة المؤلف وحضوره
البارز في نصه, أما الثاني فإن المؤلف وضع له جناحين ليحلق بهما القارئ المنتج, ومصير
النص الأول العقم ولو بعد حين, اما مصير النص الثاني فهو الاستمرارية, فإن الكاتب
هو الذي يدعو القارئ للمساهمة في عملية تكوين النص, وإليك القصيدة العربية وقارئها
المعاصر لها, التي تستدعي بإلحاح إلى فك رموزها وتتبع بنائها الشكلي, فترى الحركة
الكبيرة في السجال الشعري كالهجو وغيره.
أما النصوص الايدولوجية التي تمثل عقيدة المؤلف لا
يمكن تحريرها وإنما تقليدها لتنتج وذلك صعب مستصعب, ولو أنتجت فإن مثل هذه النصوص
ترث من الأيديولوجيا الأم لتبقى نسخا مكررة, فنصوص ابن تيمية العقدية لا يمكن ان
تنتج ابدا حتى لناقدها الذي يبقى يدور في فلكها, لأنها نصوص مغلقة ومتحجرة.
-
ما
علاقة لذة النص بتاريخه؟
اللذة في النص هي زمن
المستقبل له, والتناسب بين اللذة والنص تناسب طردي, فهي روحه التي بها يستمر وبها ينجذب
القراء باستمرار, وبالتالي فالولادات الطيبة للنص الاصلي. فما دام نور اللذة مشرقا
فلا نص معتق. ولعل هذا ما اصطلح عليه سيد قطب بالتصوير الفني للقرآن الكريم. فقراءة
شعر امرؤ القيس-مثلا- تجعله مستمراً
باقياً لما في شعره من لذة ..
كأني غداة البين يوم رحلوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل
أو شعر كعب بن زهير
في قصيدته المعروفة بـ(البردة):
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يُفد مكبول
أو قصيدة السيد رضا الهندي:
أمفلج ثغرك أم جوهر ورحيق رضابك أم سكر
قد قال لثغرك صانعه إنا أعطيناك الكوثر([21])
أو
أبيات المتنبي:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
تمنيتها لما تمنيت أن ترى صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة فلا تستعدن الحسام اليمانيا
-
ما
هو البعد التواصلي للنص؟.
من
المهم الاشارة إلى البعد التواصلي في النص إذ "لا نستطيع تناول النص من خلال
وصفه بأنه ذو وحدات كبرى أو جمل متوالية, إلا إذا وجدت خاصيته الأولى, وهي كونه
وراداً في الاتصال([22]).
وأكد "دي بوجراند" على هذه الصفة المهمة للنص وهي وقوعه في الاتصال (Communication) اياً كان حجم النص كلمة أم جملة أم شبه جملة..الخ([23]).
فالنص وحدة لغوية في الاستعمال([24]),
فينبغي أن يوجد في كل نص هدف وبناء محكم وسياق خاص, وعلى هذا فإن الفكرة القائلة
بإمكان تحليل سلسة لغوية تحليلاً كاملاً دون مراعاة للسياق, قد اصبحت في السنين
الاخيرة محل شك كبير([25]).
وهنا يدخل بحث الدلالة وتوليدها, ونظريات علمائنا التي وضعت لمسات كبيرة في المسار
العام لتطور الدلالة خير دراسة تستحق الاهتمام والمتابعة.([26]
تاريخ و عمل (التناص)
لابد أن نحدد أولاً
الظهور الأول لهذا المصطلح كي يتسنى لنا مراد الواضع له, وطريقة عمله التي رُسمت
له ثانياً.
إن أول من صاغ مصطلح (التناص) (جوليا كريستيفا),
وروجت له جماعتها المعروفة بأسم( Tel.Quel تل كويل), وتسمى ((ما بعد البنيوية أو ( التفكيكيون ))
وأن أدعى البعض أن أول من صاغه هو ( ميخائيل باختين), إلا أن الظاهر أن باختين لم
يستخدم لفظة (التناص) وإنما كلمة (التفاعلية), أو (تفاعلية السياقات)..الخ من الالفاظ
التي ساقها لنفس المعنى تقريباً. نعم, لا يخفى تأثر كريستيفا بباختين إلا أن هذا
اللفظ انبثق منها أول مرة, لتصل ذروته عام(1979م) في المؤتمر العالمي الذي عقد لأجله
في جامعة كولومبيا برئاسة (ميشال ريفاتير). ووصل هذا البحث أوجه بالتحديد في
الدراسة التي قدمها (جيرار جينيت) في كتابه (التعالي النصي).يصبح النص الحاضر أو
المركز وعاءً تلقى فيه النصوص القديمة, بل لابد أن يحتفظ النص باللذة وخصوصية
الإخصاب والتناسل التي نبهنا عليها, ولعل (لوران جيني) كان موفقاً في تعريفه
للتناص إذ يقول: " أنه عمل يقوم به نص مركزي لتحويل عدة نصوص وتمثلها,
ويحتفظ بريادة المعنى"([27])
فالعمل التناصي عند
كريستيفا هو (اقتطاع) و(تحويل) ليولد- النص- ظواهراً تنتمي إلى بديهيات الكلام تسميها
كريستيفا إعتماداً على باختين (حوارية) و(تعددية الاصوات)([28]).
وبعبارة أخرى: التناص ترحال للنصوص وتداخل نصي في فضاء نص معين تتقاطع ملفوظات
عديدة مقتطعة من نصوص أخرى.([29])
فالتناص يكشف عن كل
التداخلات والعلاقات بين النصوص, كما يكشف عن التلبس وتقمص نص من آخر على أن
تتفاعل النصوص اللاحقة مع النص السابق, وليس هذا فحسب بل يعطينا منطقة فراغ لإنتاج
نصوص أخرى من خلال نص مركزي فيه مطاطية لصياغة نصوص جديدة. ولنأخذ منهج التعليم
عند مدرسة الجشتالت(المدرسة الشكلية) في علم النفس[30],
التي تركز في طرائق تعليمها لغة جديدة على حفظ نصوص كاملة لا حفظ كلمات, فإنه من
خلال نصوص قليلة يستطيع الطالب أن يبدع وينتج نصوصاً جديدة إعتماداً على ما حفظه
من النصوص الأولى.
الفصل
الثاني
الأنماط
الخمسة
يطرح
جيرار جينيت في كتابه (طروس([31])..
الأدب على الأدب), بعض المفاهيم الضرورية التي أدرجها تحت الاستعلاء النصي أو
التعدية النصية, وهو كما يعرفه جينيت نفسه: " إنه كل ما يضع النص في علاقة
ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى"([32])
ليرصد جينيت كل ما يتعلق فيه نص ما بنصوص أخرى, دون الالتفات الى العلاقات
والتفضيلات التي تحكم بنية النصوص المتعدية – بوصف النص منفتحاً ومتعدياً- إلى
نصوص أخرى, وفي المقابل نجد حالة من الانغلاقية او الانحسار. لكن ظلت هذه المفاهيم
أو الانماط الخمسة أو بعضها على الأقل آصداء لمصطلح التناص.
أما
الأنماط الخمسة التي وضعها جنيت فهي ( التناص, الملحق النصي, الماورائية النصية
(الميتانص), جامع النص (معمارية), الاتساعية النصية).
-
النمط
الأول(التناص)
تعرضنا في الصفحات
السابقة إلى بعض تعاريف التناص, ودائرة عمله وحدوده, لكن جينيت يعرفه ببيان آخر
أكثر تقيداً: " أنه علاقة حضور حرفي بين نصين بصورة كاملة أو غير كاملة"([33]).
وبهذا التعريف يقرب جينيت التناص من الاقتباس ويجعله أوضح مصاديقه, حيث يوضح
المقتبس بين قوسين مع الإحالة أو عدمها, أما السرقة النصية فيجعلها جينيت أشد
المصاديق خفاءً وأقلها شرعية, ومعنى هذا أن جينيت يجعل الاقتباس والسرقة والتضمين
والتأثير..الخ مصاديق للتناص.
-
النمط
الثاني(الملحق النصي)
يصف
جينيت الملاحق النصية أنها "منجم أسئلة بلا أجوبة"([34]),
لأنها أقل وضوحاً وأكثر بعداً في علاقاتها مع النصوص الأخرى, ويشمل الملحق النصي
العنوان والعناوين الصغيرة المشتركة - فيتسائل القارئ مثلا هل اصول الفقه للشيخ
المظفر هي نفسها اصول الفقه للسرخسي, فنجد شيئاً من الابهام عند القارئ لتداخل هذه
العناوين مع بعضها. -, ويشمل
ايضاً المدخل, الملحق, التمهيد...الخ, بل وما قبل النص من المسودات والمخططات
المتنوعة([35]).
وأغلب منشأ الأسئلة التي تعتري هذا الشكل من العلاقات هو عدم اكمال النصوص ونشرها
على هذا الحال لتبقي ذهن القارئ علامة استفهام نادراً ما يجد لها جواباً, فخذ مثال
قصة (جنية البحر) التي سمعنا حكايتها، قبل إعدادها في كتاب، حيث كانت هذه الرواية
مزودة بعناوين وفصول تستحضر العلاقة الموجودة بين كل فصل من فصول الرواية وبين
حلقة من حلقات الأوديسا l’Odyssée
جنية البحر Sirène،
نوزيكا Nausicaa،
بينيلوب Pénélope…الخ،
ولما ظهرت في كتاب، أسقط منها "جويس" هذه العناوين الداخلية، ولكن غير
المنسية من قبل الناقد؛ أيمكن اعتبارها جزءاً من نص (أوليس) أو لا؟
-
النمط
الثالث(الميتانص)
وهي
العلاقة التي شاعت تسميتها بالشرح الذي يجمع نصاً ما بنص آخر؛ يتحدث عنه دون أن
يذكره بالضرورة, ويستدعيه دون أن يسميه([36]),
لتكون مهمة القارئ اكتشافه, وهو أشبه بعملية تداعي المعاني, وتساقطها في ذهن
القارئ ليربط ويرجع كل نص وفكرة إلى أصلها.
-
النمط
الرابع(الجامعية النصية)
علاقة
بكماء تماماً, ولا تظهر في أحسن حالاتها إلا عبر ملحق نصي (مثبت), أو هو في الغالب
مثبت جزئياً في نصوص أخرى كما في العناوين المثبتة على الغلاف. تبين (فاطمة قنديل)
ما يعنيه جنيت من أنها الاشارة التي يضعها المؤلف على غلافه ليحدد لقارئه (أفق
توقع) أي ماهية النص هل هي شعر أم رواية أم...الخ([37]).
وهنا تكمن مهمة القارئ, فحينما نجد كتاباً بعنوان (القياس) ربما نتساءل عن ماهية
هذا الكتاب وهل يتكلم ويدور حول قياس ابي حنيفة, أم القياس المنطقي؟ لهذا تسرع إلى
فهرس الكتاب كي تفهم ماهيته.
-
النمط
الخامس(الاتساعية النصية)
يعد
هذا النمط جوهر عملية التناص الذي قام عليه مفهومه, لأنه العلاقة بين نص حاضر
أسماه جينيت (المتَّسِع أو النص الفرعي), ونص غائب أسماه (المنحسِر أو النص الاصلي),
وتمثل فكرة المتسع والمنحسر ردة فعل جينيت على النص المنغلق.
وعمل النص المتسع أن ينشب أظافره في النص
المنحسر دون أن تكون العلاقة ضرباً من الشرح. ويرى الدكتور البقاعي أن الاتساعية
النصية تصب في الثقافات والأفكار التي لا يستطيع مؤلفه أن يكون بعيداً عنها, ومن
هنا يأتيه البعد العالمي([38]).
والجميل هي المرونة التي يتحلى بها مصطلح الاتساعية النصية فيقول جينيت: " إن
الاتساعية النصية هي - بداهة- بُعد عالمي, فليس هناك عمل أدبي لا يستدعي بدرجة
مختلفة وحسب القارئ بعض الأعمال الأخرى, وبذلك تكون الأعمال الأخرى كلها إتساعية
نصية..."([39]).
أو قل هي علاقة التلاقح بين النص الفرعي والنص الاصلي, فنقول إن الصفحة الفلانية
من كتاب (الكفاية) تتحدث عن النص الفلاني لصاحب (الفصول) مثلاً. فكل نص يقع عند
ملتقى نصوص أخرى يعيد النظر فيها ويراجعها ويحولها لتصبح دالة على أعم مما كانت
تدل عليه, بسبب نقد الاخوند الخراساني لنص صاحب الفصول في مثالنا.
موت المؤلف:
كي نرفع الضبابية عن هذه المقالة التي نادى بها
رولان بارت أقتبس نصوصاً من مقالته الأم بترجمة الدكتور منذر العياشي, كي يكون ذلك
مادة في فهم مراده.
" الكتابة هدم لكل صوت, ولكل أصل. فالكتابة هي هذا الحياد, وهذا
المركب, وهذا الانحراف الذي تهرب فيه ذواتنا. الكتابة, هي السواد والبياض الذي
تتيه فيه كل هوية, بدءاً بهوية الجسد الذي يكتب."
وقال ايضاً:
"المؤلف شخص حديث, وهو من غير شك, منتج من منتجات
مجتمعنا, فالمجتمع حين خرج من القرون الوسطى معضداً بالتجريبية الانكليزية,
والعقلانية الفرنسية والإيمان الشخصي بحركة الإصلاح, قد أكتشف مكانة الفرد, أو كما
يقال بشكل أكثر نبلاً قد أكتشف (الشخص الإنساني)([40]), وأنه لمن المنطقي إذن أن يعقد المذهب الوضعي في مادة
الادب, أهمية عظمى على (شخصية المؤلف), فهذا المذهب هو خلاصة الايديولوجية
الرأسمالية ومحط غايتها.
ولا يزال المؤلف يهيمن على كتب
التاريخ الأدبي, وعلى السير التي تترجم حياة الكتاب, وعلى حوارات المجلات, وعلى
وعي الأدباء نفسه, فهؤلاء حريصون أن يصلوا, في مذكراتهم الشخصية, بين شخصياتهم
وأعمالهم, ولذا, فإن صورة الأدب التي نستطيع أن نقف عليها في الثقافة المألوفة, قد
ركزت بشكل جائر على المؤلف, وشخصيته, وتاريخه, وأذواقه, وأهوائه. ولايزال قوام
النقد, في معظم الأحيان ينصب على القول مثلاً: إن عمل بودلير, يمثل إخفاق الإنسان,
وإن عمل فان كوك, يمثل جنونه, وإن عمل تشايكوفسكي, يمثل رذيلته. وهكذا, فإن البحث
عن تفسير للعمل, يتجه دائماً إلى جانب ذلك الذي أنتجه, كما أن عبر المجاز الشفاف
للخيال, ثمة صوت دائم لشخص واحد, وهو صوت المؤلف الذي أدلى (بمكنونه)"[41].
على الرغم من أن إمبراطورية المؤلف لا تزال عظيمة
السطوة, فمن البديهي أن بعض الكتاب, قد حاول منذ أمد بعيد أن يزلزلها. ولقد كان
(مالارميه)([42])
أول من رأى في فرنسا, وتنبأ بضرورة وضع اللغة نفسها مكان ذاك الذي أعتبر إلى هذا
الوقت مالكاً لها, فاللغة بالنسبة إليه, هي التي تتكلم وليس المؤلف, وبهذا يصبح
معنى الكتابة, هو بلوغ نقطة تتحرك اللغة فيها وحدها, وليس (الأنا), وفيها (ينجز
الكلام), وذلك يكون عبر موضوعية أولية, لا تختلط في أي لحظة من اللحظات مع موضوعية
الروائي الخاصة: فشعرية مالارميه جميعاً, إنما تقوم على حذف المؤلف لمصلحة الكتابة(
ويكون هذا كما نرى إعطاء القارئ مكان المؤلف)...
لما كان التناص إدراك القارئ
للعلاقات التي بين النصوص, والمعنى الكامن وراء هذه العلاقات, صار الكاتب متعهداً
أن لا يضع نصاً إلا ليكون منتجاً, وكي يكون كذلك لابد أن يرحل عنه ويضحّي بنصه
للقارئ, بل حتى قارئ النص يذوب فيه لينتج من جديد. فالكاتب، لا ينطلق في كتابته من العدم المحض، بل
يؤسس أطروحاته النظرية وتصوراته الإجرائية من خطابات وكتابات سابقة، وسلطته
الوحيدة هو أن" يجمع كتابات مختلفة، ويوظفها دون أن يعتمد على واحد.
فالنص يجد مصادر ثرائه وغناه في قدرة الكاتب على
تحويل كتابات سابقة من سياقاتها الأصلية إلى سياق أصلي جديد، لأنه إذا أسندنا نصا
إلى كاتب معين، فإننا نفرض على هذا النص معنى محددا (وهو قصد الكاتب)، مما يعني
إيقاف النص وحصره وإعطائه مدلولا نهائيا، وبالتالي إغلاق الكتابة.
موت المؤلف عملية قتل شاركت بها الحركة
الرمزية(Symbolism), والمذهب السريالي(بالفرنسية: Surréalisme) التي عملت للإطاحة بإمبراطوريته بمبدأ (الكتابة المتعددة), فبارت
بريء من هذه الجريمة, لكن تصريحه الرسمي بإعدام المؤلف جعله مساهماً في قتله من
قبيل: "إن وحدة النص لا توجد في منشئه بل في غايته", " إن
مولد القارئ يجب أن يعتمد على موت المؤلف"([43]).
فاعتبر ذلك ثورة منهجية ومعقلنة في نظرية الأدب, فالقراء أحرار في فتح أو إغلاق
دلالة النصوص دون اكتراث, فلهم كامل الحرية في أن يفعلوا ما يشاؤوا في النص, ولهم
كل الصلاحيات في ربطه بأنساق معان وتجاهل قصد المؤلف([44]).
فالمؤلف يموت بآخر نقطة في كتابه.
اذن القُراء أحرار في توليد معاني النص باعتباره
منجماً ولوداً مكتنزاً بفائض قيمة المعنى, فاعتبر بارت النقد: كتابة على الكتابة,
ونصاً يضاف إلى نص, فلم يعد ثمة معنى معين, بل ليس هناك معنى, حتى يتحول النص إلى
مجرة من الدلالات غير المتناهية([45]).
فالقراء هم بروليتاريا النصوص الذين يحررونها من هيمنة احتكار الكاتب.
ملاحظات على
فكرة موت المؤلف:
ماهو
نسب تلك النصوص التي تتدفق من خلال القارئ المنتج ؟ وأين محل المؤلف منها؟
النصوص
اللقيطة التي تتحرر عارية من الكاتب لتلبس ثوبا يتفضل به القارئ عليها, نصوص لا
ضابطة لها, نصوص مصيرها ضياع معناها, وضياع المعنى يعني فوضى معرفية لا مثيل لها.
ألم يقل الجاحظ: (ليعلمْ
أن لفظه- الكاتب - أقرب نسباً منه من ابنه، وحركته أمسُّ به رحماً من ولده، ولذلك
تجد فتنة الرجل بشعره وفتنته بكلامه وكتبه فوق فتنته بجميع نعمه)([46]), فكيف تولد النصوص وليس لها نسب ولا عشيرة؟
ثم كيف نساوي بين قراءة القارئ
مهما أنتجت وبين نص المؤلف الذي هو عبارة عن عصارة أفكاره, ولوحته التي اظهرها
بألوانه الخاصة؟ كيف يمكن لشخص ما أن يشوه هذه اللوحة نتيجة قصر في فهمه, أو أن
يعيد رسمها بناءً على ثقافات هجينة من شأنها إزهاق النصوص.
نعم, يمكن أن تتعد قراءة النصوص بتعدد قرائها ولكن ذلك
لا يعني أن نهمل قراءة المؤلف نفسه, التي
من خلالها تتم محاكمته, وإلا لزم ضياع الدلالة, فإن النصوص التي لا أب لها , كل
يدعي الوصل بها. ثم إن كان دور المؤلف فقط رسم اسمه تحت عنوان نصه فمن يحفظ حق
الاختصاص؟ ومن الذي يُلزم القارئ من سرقة نصوص الآخرين؟
إن الذي نراه من خلال استقراء لبعض النصوص أن كثيراً
منها وضعت على أجهزة التعذيب لتأخذ منها اعترافات قسراً تتناسب وفهم القارئ, لتشوه
البعد اللغوي والدلالي برمته, ولترتدي جبة من المعاني الفاضحة التي لا تستر حتى
الكلمة الواحدة. والنهاية الحتمية لهذه
الفكرة هو سقوطها المدوي في وادي الهرمونتيك.
الفصل الثالث
التناص والقرآن الكريم
إن القرآن الكريم قد اشتمل على ظاهرة التناص
الداخلي بين آياته الكريمة, عندما استحضر بعض نصوص آياته -كلمة أو جملة، أو بعض
جملة- في نصوص آيات أخرى، في السورة
الواحدة أو في سور مختلفة وهو مفهوم الاقتصاص([47])
– الذي ولد من الرحم العربي-.
ونجد هذا الاقتصاص
واضحاً عندما تتكفل آيات ببيان آيات أخرى في سورة واحدة أو متعددة, بسبب وجود
علاقة ما بين النصين المقتص والمقتص منه، وكذا نجده في النص المحتاج إلى بيان
والنص الذي يحقق هذا البيان([48]).
وإذا ما أضفنا قيد تاريخانية النصوص القرآنية,
من خلال الإفادة من علوم المكي والمدني,وأسباب النزول, إلى أشكال العلاقة الرابطة
بين هذه النصوص القرآنية الكريمة, كعلاقات العموم والخصوص([49])،
والإجمال والتفصيل_([50])،
والسبب والنتيجة([51])،
وغيرها من العلاقات التي ترتبط بالتراث البلاغي العربي عامة والقرآني خاصة, نستطيع
أن نتوفر على كم هائل من التداخلات والمنتجات القرآنية الكبيرة.
ثم لو عكفنا على دراسة باب المتشابه في
القرآن الكريم, من حيث أن هذا الباب يشير إلى وجود تشابه وتناظر بين الآيات,
كالمتشابه اللفظي الذي هو عبارة عن إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل
مختلفة، ويكثر في إيراد القصص والأنباء. كما أن علم (الوجوه والنظائر القرآنية),
يتصل بصورة أو بأخرى بمفهوم (التناص)؛ لأن هذا العلم يدور حول مجيء الكلمة الواحدة
في مواضع من القرآن الكريم في لفظ واحد وحركة واحدة مع اختلاف الدلالة في كل مرة،
وهو آية من آيات الإعجاز القرآني؛ إذ لا يستطيع أيُّ إنسان مهما أُوتي من البلاغة
والفصاحة, أن يستخدم الكلمة في وجوه متعددة يزيد بعضها في أحيان كثيرة على عشرين
وجهاً.([52])
والكلمة
الواحدة في اللسانيات النصية تشكل بذاتها نصاً يتداخل مع نصوص أخرى، فسطح النص
-عند "دي سوسير"- مكوكب تبنيه وتحركه نصوص أخرى حتى ولو كانت مجرد
كلمة، وهو ما يعني ارتباطها بالتناص أو بالتداخل النصي الذي يشير إلى التواجد
اللغوي لنصٍّ في نصٍّ آخر عند "جيرار جينيت"، هذا التواجد يستدعي
-وبصورة أكثر وضوحًا- نظرية السياق؛ باعتباره واحدًا من معايير اللسانيات النصية،
ورعايته في باب الوجوه والنظائر القرآنية يسهم في تشكل العلاقة بين الآيات الكريمة
التي يرد فيها اللفظ بوجوهه ودلالاته المتعددة.
نماذج قرآنية
القرآن
في القرآن
1-
قال
الله تعالى: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}
2-
قال
الله تعالى {أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }
3-
قال
الله تعالى: {وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ}
4-
قال
الله تعالى: {وَإِذَا
قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
5-
قال
الله تعالى: {إِنَّ
هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}
6-
قال
الله تعالى: {فَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
7-
قال
الله تعالى: {وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا
نُفُورًا}
8-
قال
الله تعالى: { وَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا }
9-
قال
الله تعالى: {وَإِذَا
ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا
}
10-
قال
الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ
مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}
11-
قال
الله تعالى: {وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ
النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا }
12-
قال
الله تعالى: {وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ
الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا }
وجدنا
في هذه الآيات تداخلاً كبيراً يحتاج إلى
دراسة منفردة, وهنا سنكتفي بالإشارات فقط.
القرآن
كتاب هداية ورحمة, و شفاء وبشرى للمؤمنين, أي أن هذه صفات لموصوف واحد, فلا شك أن
بين هذه الصفات تداخلا وتفاعلا فيما بينها.
غاية
القرآن الكريم ذكر الله تعالى, وهنا بالتحديد تتداخل غاية القرآن مع آيات
كثيرة منها: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ} وأي ذكر أفضل من القرآن, {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فالوجل من قراءة
القرآن هو علامة المؤمنين, وأذا تليت عليهم آياته أقشعرت أبدانهم و زادتهم إيمانا,
{اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
أما
الذين لم يؤمنوا بالآخرة جعل الله عليهم حجاباً وتراهم يشمأزون من القرآن
ويستبشرون بغيره, وما يزدادوا من القرآن إلا نفورا, فخسراناً, وضلالاً {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }, {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ
إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
ثم
أن الله أوصى بالاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن لمنع الشيطان من الأستحواذ
على الانسان{
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ
حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ},
وأن كان لا سلطان للشيطان على الذين آمنوا إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين
هم به مشركون, بدليل الآيات التالية: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى
الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }
ولو
تأملنا في الآية الأولى التي سقناها مع آية أخرى وهي {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا
كُنَّا مُنْذِرِينَ} وتداخل الآياتان
يخبرنا أن نزول القرآن الكريم في شهر رمضان, لم يكن متدرجاً إلى تمام الشهر, وإنما
دفعة واحدة ببركة الآية الثانية, ثم يعترينا شيء من الإبهام عن هذه الليلة
المباركة, ترفعه آية {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
وهكذا نرى تداخلا عجيباً بين النصوص, من غير أن يفقد النص الأصلي مركزيته أو
محوريته وهو لفظة (القرآن) في هذا النموذج الذي قدمناه.
التناص في سور
الحواميم السبع([53])
1- الشيء الذي نلمسه في هذه السور
المباركة هو الدعوة للتدبر في السماوات والأرض, وان ما فيهما وما بينهما لله تعالى
وحده, والذي يدعو للتأمل أن معظم هذه الآيات جاءت في بدايات السور ونهاياتها, كما
في بداية سورة الشورى{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ }
ونهايتها { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ
}, وفي بداية سورة الجاثية { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ
} ونهايتها { وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ },
وفي سورة غافر { لَخَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }, وفي سورة الزخرف { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ
}, وفي نهايات سورة الزخرف { وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
}, وفي بدايات سورة الدخان{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ },
وفي نهاياتها { وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
}, وفي بداية سورة الاحقاف { مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا
أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ},
وفي نهاياتها { أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ
بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
2-
كما
يأتي الحديث في هذه السور تارة عن توحيد الله عز وجل بصفته أهم ما أتى به الوحي, وتارة
يرد الحديث عن المعاد, وتارة عن ضرورة النبوة والرسالة, واختلاف مواقف الناس.
3- تتداخل هذه السور في بيان علل انحراف
منكري الوحي وأسباب إعراضهم, وأحوال المستكبرين فنجد توبيخاً لهم في أوائل بعض هذه
السور, وقد تميزت سورة غافر ببحث مفصل عن الاستكبار وما يتعلق بهم, ففي الآية
الرابعة من هذه السورة نجد قوله تعالى: { مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}([54]),
{ الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }, { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ
بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
}, { أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ
}, وهنا تدخل سورة الشورى: { وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ
مَحِيصٍ }, وفي آية أخرى { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ
حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ }, وهنا تدخل سورة الاحقاف {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ
ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ}
4-
نجد
آيات أخرى في سور أخرى بلغة الجدال الذي
كان دأب المتكبرين, كما في بدايات سورة الحج, وسورة لقمان
5- بيان خطر الإعراض عن كتاب الله, سواء
كان لغرور حب الرئاسة والمقام, أو بسبب التنعم والإتراف والانشغال بالملذات
والشهوات.
6-
نرى
في أوائل بعض هذه السور بيانات عن الوحي, وكيف يكون كلام الله, أو ما هي أسباب
كلام الله مع عباده؟
7- قلنا سابقاً إن القران الكريم شفاء لما
في الصدور, لكن ما نجده في بعض سور الحواميم هو أن الشفاء الموصوف به القرآن ذكر
على نحو القضية الشرطية, أي لا يتحقق الشفاء إلا إذا استشفى المريض نفسه بالقرآن,
ويطلب العون من دوائه وعلاجه, فمريض الكبر لا يؤثر في قلبه الجاف ترياق القرآن.
8-
كذلك
نجد الإكثار من الوحي ونزوله وأهميته كما في بداية سورة الشورى وينتهي به
التناص وتفسير القرآن بالقرآن
لا
نكاد نجد كتاباً تفسيرياً لم يعتمد على منهج تفسير القرآن بالقرآن حتى الذين
اعتمدوا على منهج التفسير بالمأثور.
والمراد من تفسير القرآن بالقرآن هو أن
تكون النصوص القرآنية بعضها مفسراً لبعض . يقول العلامة الطباطبائي: .. و ثانيهما: أن
نفسر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس
القرآن، ونشخص المصاديق ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى: {ونزلنا
عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}, وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء ولا يكون
تبيانا لنفسه، وقال تعالى: {هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان} وقال تعالى: {وأنزلنا
إليكم نورا مبينا}, وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبينا للناس في جميع
ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج! وقال تعالى: {والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}, و أي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه! و أي
سبيل أهدى إليه من القرآن!"([55])
وعلى البيان الذي قدمه
العلامة يدخل التناص بل حتى الأنماط الأخرى من الاستعلاء النصي, فالمفسر يبحث عن
كل أنواع العلاقات والتداخلات بين السور والآيات القرآنية الكريمة. بل إن القرآن
نفسه الذي هو تبيان لكل شيء, فيه من الدلالات البينة والعلامات الشاخصة على معانيه
والكشف عن نصوصه المقدسة بإدمان التفكر فيه مع ملازمة عدله والمفصح الحق عنه.
الخاتمة و النتيجة
إلى
هنا نحط رحالنا مع مفهوم (التناص) الذي سايرناه مع كريستيفا وبارت وباختين وجينيت,
وأن قصّرنا في عدم زج بعض المفكرين ونقاد الأدب العربي الذين ساهموا في تطور هذا
المصطلح, وبحثوه من عدة زوايا, خصوصاً في الشعر العربي.
توقفنا بعدها على
أنماط خمسة استعرضناها مجملاً, كي لا يبتعد القارئ عن معالم اللوحة التي نريد
رسمها, وعرجنا بعدها إلى التناص في القرآن الكريم والعلوم القرآنية التي تتموج مع
مفهوم التناص, والمحنا النظر إلى علاقته مع المنهج التفسيري المعروف (تفسير القرآن
بالقرآن), يبقى لزاماً علينا بيان مرادنا من تفسير الحروف المقطعة.
بعد
أن ساق العلامة الطباطبائي أحد عشر قولاً في بيان الحروف المقطعة قال: .. والحق أن شيئا من هذه الأقوال لا تطمئن إليه النفس...وأما الأقوال العشرة الأخر فإنما هي تصويرات لا تتعدى
حد الاحتمال ولا دليل يدل على شيء منها... والذي لا ينبغي أن يغفل عنه أن هذه
الحروف تكررت في سور شتى وهي تسع وعشرون سورة افتتح بعضها بحرف واحد وهي:{ ص وق ون}، وبعضها بحرفين وهي سور طه وطس
ويس وحم. وبعضها بثلاثة أحرف كما في سورتي "الم" و "الر" و
"طسم" وبعضها بأربعة أحرف كما في سورتي "المص" و"المر"
و بعضها بخمسة أحرف كما في سورتي "كهيعص" و "حمعسق". وتختلف
هذه الحروف أيضا من حيث أن بعضها لم يقع إلا في موضع واحد مثل "ن"
وبعضها واقعة في مفتتح عدة من السور مثل "الم" و "الر" و
"طس" و "حم". ثم إنك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور
التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراءات والطواسين والحواميم، وجدت
في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين و تناسب السياقات ما ليس بينها و
بين غيرها من السور.
ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ كما في
مفتتح الحواميم من قوله: {تنزيل الكتاب من الله} أو ما هو في معناه، وما في مفتتح
الراءات من قوله: {تلك آيات الكتاب} أو ما هو في معناه، ونظير ذلك واقع في مفتتح
الطواسين، وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه.
ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذا الحروف المقطعة وبين
مضامين السور المفتتحة بها ارتباطا خاصا، ويؤيد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف
المصدرة بـ(المص) في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات و(ص)، وكذا سورة
الرعد المصدرة بـ(المر) في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات والراءات.
ويستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه و بين رسوله (صلى الله
عليه وآله) خفية عنا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن
بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطا خاصا.
ولعل المتدبر لو تدبر في مشتركات هذه الحروف وقايس مضامين السور التي وقعت
فيها بعضها إلى بعض تبين له الأمر أزيد من ذلك([56]).
وهذا ما نرمي إليه أن
هذه الحروف المباركة عبارة عن صفوة السورة القرآنية التي ابتدأت بها, فإن لكل
كتاب صفوة, وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي – كما في الحديث المروي عن أمير
المؤمنين (عليه السلام)([57]).-
بل تتعدى ذلك إلى ما شابهها من الآيات التي وقعت فيها بعض الحروف المتشابهة,
فمثلاً حروف (الم) تختزل وتضم كل ما جاء في السورة التي بدأت بها, والسور الأخرى
المشابهة كآل عمران, والعنكبوت, والروم, ولقمان, والسجدة, وتشترك ايضاً مع سورة
الرعد التي ابتدأت بـ(المر), ومع السور القرآنية التي ابتدأت بـ(الر) كسورة يونس,
وإبراهيم, وهود, ويوسف, ونجد حرف (الميم) يشترك مع الحواميم القرآنية, فاشتركت
السور القرآنية التي ابتدأت بـ(الم) و(المر) و(الر) مع (حم) ثم نجد في سورة الشورى
بالإضافة الى الحرفين (حم) حروف (عسق) التي تبدأ منها كانطلاقة جديدة لعلاقات
وتداخلات مع سور أخرى, كالسور التي تبدأ بـ (طسم), التي اشتركت بحرف الـ (س, م), ثم اشتركت سورة
الشورى مع (كهيعص) بحرف (ع), وسورة مريم مع
سورة (ص). فنجد أن السور القرآنية التي افتتحت بـ (الم), (حم), (طسم) هي السور
الأكثر من حيث أنها اختزنت في ثناياها الكثير من الآيات القرآنية الكريمة.
الى هنا اكتملت لوحتنا القرآنية التي اسفرت عنها
النتيجة.
[1]) ) ذكر السيد
السبزواري (قده) في مواهب الرحمن,77:1 أن الحروف المقطعة في أوائل السور, أسماء
باتفاق أئمة أهل اللغة, وليست بحروف, وهي تقرأ مقطعة بذكر أسمائها, لا مسمياتها.
[2])) التبيان, 28:1. مجمع البيان, 32:1
[3])) بحار الانوار,
90:89. الميزان في تفسير القرآن, 3: 48
[4])) لمن أراد الاطلاع على بقية
التفاسير بإمكانه الرجوع إلى تفسير التبيان, وتفسير مواهب الرحمن
([26]) الجدير بالاهتمام هو
نظرية التعهد في تفسير الوضع التي جاءت في كلمات المحقق النهاوندي والسيد الخوئي
والتي أكدت على جانب الإفهام والتفهيم, أي تعهد الواضع أن لا يتلفظ بكلمة إلا إذا
أراد إفهام معنى خاص يحاول ربطه بها, وببركة التعهد ينتقل الذهن إلى المعنى المراد
متى ما تلفظ المتكلم, فلا داعي للنطق إلا الافهام. فالتواصل واضح وجلي في هذه
النظرية.
([30]) قامت نظرية الجشتالت «على النظر إلى الظواهر لا على أنّها مجموعة من العناصر التي يراد عزلها
وتحليلها وتشريحها، بل على أنّها مجاميع مترابطة تؤلف وحدات مستقلة وتكشف عن تضامن
باطن، ولها قوانينها الخاصة. وينتج عن هذا أن حال كل عنصر يتوقّف على بنية المجموع
المترابط والقوانين التي تحكمه» انظر: اللغة
والمنطق في الدراسات الحالية, عبد الرحمن بدوي.
([32]) جيرار جينيت, طروس ...الادب على الادب: 131. من كتاب
آفاق التناصية. نلاحظ أن بعض الأساتذة الذين يناقشون رسائل أو اطاريح الماجستير أو
الدكتوراه لا تخفى عليه النصوص فتراه ينسب كل نص لصاحبه ولكتابه المعين عند
المناقشة. وقيل عن بعض العلماء أنه كان يسمع الحديث فيعرف أنه للأمام أو النبي(صلى
الله عليه واله) لكثرة اطلاعه وقوة غوره في النصوص.
[41] - رولان بارت, نقد
وحقيقة, ترجمة: د. منذر العياشي
[45] - د. إبراهيم السعا
فين، إشكالية القارئ في النقد الألسني، مجلة الفكر العربي المعاصر،ع60،1996،ص130.
([48]) كما في قصة آدم
في سورة البقرة, وقصنه في سورة طه إذ لم تبين سورة البقرة ماذا قال الشيطان لآدم
وما هي حجته, وما الذي حصل بعد أن أكل آدم وزوجه من الشجرة, بينما كل هذا نجده في
سورة طه ببيان أوسع. قال تعالى في سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ
عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } أما في سورة طه: { فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا
عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى
(117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا
تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا
آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}
([49]) فِي قَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } فَكُلُّ نَفْسٍ خُوطِبَ بِهَذَا فِي زَمَانِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مَخْلُوقَةٌ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَكُلُّهَا شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ .
وَالْخَاصُّ
مِنْهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ } لِأَنَّ التَّقْوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ
مِنْ أَهْلِهَا مِنْ الْبَالِغِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ
الدَّوَابِّ سِوَاهُمْ وَدُونَ الْمَغْلُوبِ عَلَى عُقُولِهِمْ مِنْهُمْ ،
وَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا عَقْلَ التَّقْوَى مِنْهُمْ . فَلَا
يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّقْوَى وَخِلَافِهَا إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ
مِنْ أَهْلِهَا. أو الرحمن الرحيم فالرحمة شاملة وعامة لكل المخلوقات والرحيمية
تخص المؤمنين.
([51]) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ
جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا. سورة الكهف(107)
([52]) كما في لفظة:
(الهدى)، تأتي على سبعة عشر وجهاً. بمعنى الثبات: اهدنا الصراط المستقيم. والبيان:
أولئك على هدى من ربهم. والدين: إن الهدى هدى الله. والإيمان: ويزيد الله الذين
اهتدوا هدى. والدعاء: ولكل قوم هاد. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا. وبمعنى الرسل
والكتب: فإما يأتينكم مني هدى. والمعرفة: وبالنجم هم يهتدون. وبمعنى النبي صلى
الله عليه واله وسلم: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى. وبمعنى
القرآن: ولقد جاءهم من ربهم الهدى، والتوراة، ولقد آتينا موسى الهدى. والاسترجاع.
وأولئك هم المهتدون. والحجة: لا يهدي القوم الظالمين بعد قوله تعالى - ألم تر إلى
الذي حاج إبراهيم في ربه - أي لا يهديهم حجة. والتوحيد: إن نتبع الهدى معك.
والسنة: فبهداهم اقتده. وإنا على آثارهم مهتدون. والإصلاح: إن الله لا يهدي كيد
الخائنين. والإلهام: أعطى كل شيء خلقه ثم هدى: أي ألهم المعاش. والتوبة: إنا هدنا
إليك. والإرشاد: أن يهديني سواء السبيل. راجع
الإتقان في علوم القرآن, جلال الدين السيوطي 1: 164
([53]) عن أبى عبدالله عليه السلام قال : الحواميم رياحين
القرآن، فاذا قرأتموها فاحمدوا الله واشكروه لحفظها وتلاوتها، ان العبد ليقوم
ويقرأ الحواميم فيخرج من فيه اطيب من المسك الاذفر والعنبر، وان الله عزوجل ليرحم
تاليها وقارئها ويرحم جيرانه وأصدقائه ومعارفه وكل حميم وقريب له، وانه في يوم
القيامة يستغفر له العرش والكرسى وملائكة الله المقربون. وكلمة رياحين وأثر قراءة
الحواميم يدلنا بوضوح على التشابه والتداخل الحاصل بين هذه السور الكريمة. وهذا البحث استفدته من كتاب الشيخ جوادي آملي,
معارف القرآن من خلال الحواميم السبع, دار الصفوة, بيروت, ط2009,1. بتصرف
0 التعليقات:
إرسال تعليق